Almouaten 24 -المواطن 24
بقلم: الأستاذ اسليماني مولاي عبد الله – خبير في المنازعات ومحاسب،، ومحكّم دولي معتمد..الاقتصاد.
في زمن التحول الرقمي والتعقيد المتزايد للمعاملات الاقتصادية، تبرز المراقبة الجبائية كآلية مركزية في تعزيز العدالة الضريبية، وضمان امتثال الفاعلين الاقتصاديين للقوانين الجاري بها العمل.
وإذا كانت الفلسفة الضريبية بالمغرب مبنية على النظام التصريحي، الذي يمنح الثقة للمكلف بالضريبة في التصريح بمداخيله وواجباته، فإن للإدارة الجبائية، بالمقابل، حقًا أصيلًا في التحقق من صدقية هذه التصريحات.
إن التوازن الدقيق بين الحرية والمسؤولية، بين التصريح والمراقبة، هو ما يؤسس لعلاقة شفافة وقانونية بين الدولة والمواطن دافع الضرائب.
ويُعتبر دليل “الإجراءات والمراقبة الجبائية 2024” مرجعًا غنيًا يعكس تطور المنظومة القانونية والتنظيمية في هذا المجال، كما يوضح بالتفصيل حقوق الإدارة وواجبات الملزم، ويكرس ضمانات قانونية مهمة تضمن عدالة المسطرة وشفافية التدخل. فالرقابة لا تبتدئ إلا بناءً على إشعار رسمي (Avis de Vérification) يُبلَّغ وفق مقتضيات المادة 219 من المدونة العامة للضرائب،
ويتضمن أسماء المحققين، وفترة الفحص، والضرائب موضوع التحقق. ولا يحق للإدارة الشروع في التحقيق إلا بعد انقضاء 15 يومًا على تبليغ الإشعار، مما يمنح للمكلف بالضريبة متسعًا من الوقت لتحضير وثائقه ومستنداته.
تمتد الرقابة إلى فحص الحسابات على عين المكان، والتأكد من وجود الأصول الثابتة، والتحقق من المستندات المثبتة لكل عملية تجارية أو مالية. غير أن هذه الرقابة، وإن كانت دقيقة، فإنها لا تتم دون قيود؛ فمدة التحقيق محددة قانونًا بثلاثة أشهر أو ستة أشهر، بحسب رقم معاملات المؤسسة، ولا
يمكن للإدارة أن تتجاوز هذه المدة إلا في حالات استثنائية وبضوابط مشددة. كما يُحظر على المحققين إخراج أية وثيقة أصلية من مقر الشركة دون إذن صريح ومكتوب من صاحبها، ويجب تسليم وصل مفصل في حال تم ذلك.
وبموازاة مع ذلك، خُصّ الملزم بالضريبة بحق الدفاع، حيث يحق له تعيين مستشار قانوني أو خبير محاسبي لحضور التحقيق، كما يُمكنه تقديم ملاحظاته شفويا وكتابيا بشأن أي ملاحظة تُثار أثناء المسطرة.
وتُدوَّن هذه الملاحظات في محضر رسمي موقّع من الطرفين، مما يعزز الطابع التشاركي للمراقبة، ويحول دون انحياز أو تعسف محتمل.
وقد أولى المشرّع المغربي اهتمامًا خاصًا لمسألة توثيق المعطيات، فأقرّ غرامات مالية صارمة في حق من يهمل أرشفة وثائقه المحاسبية أو يفقدها دون مبرر مقبول. حيث يتوجب على الشركات والمؤسسات الاحتفاظ بسجلاتها وبياناتها المحاسبية لمدة عشر سنوات كاملة، سواء في شكلها
الورقي أو الرقمي، وإلا تعرّضت لعقوبات قد تصل إلى خمسين ألف درهم لكل سنة ضائعة. ويستند النظام المغربي أيضًا إلى تمييز مهم بين أنواع الرقابة، فهناك المراقبة العامة التي تطال مجمل
الحسابات، وهناك ما يسمى بـ”المراقبة الجزئية” أو “الموضوعية”، التي تركز على نقطة محددة، كتطابق رقم الأعمال أو خصم الضريبة على القيمة المضافة، أو النفقات غير المبررة.
وفي كلتا الحالتين، يجب أن يكون التدخل مبنيًا على إشعار واضح ومبرر، مع احترام التدرج في المساطر، بما فيها المسطرة التواجهية مع إمكانية الطعن أمام اللجان المحلية أو الوطنية للطعن الضريبي، ثم أمام القضاء الإداري.
إن رقمنة الفحص الجبائي، واعتماد نسخ إلكترونية للوثائق، وتحسين مساطر التبليغ، قد مثّلت نقلة نوعية نحو تكريس الثقة والفعالية والنجاعة في علاقة الإدارة بالمكلف. بيد أن هذه الإصلاحات تظل رهينة بمدى احترام كل طرف لواجباته والتزاماته، فالدولة ملزمة بالحكامة الجبائية، والمواطن ملزم بالشفافية والمصداقية.
في الختام، يمكن القول إن المراقبة الجبائية لم تعد مجرد أداة للردع أو وسيلة للتحصيل، بل أصبحت فعلًا مؤسسيًا في قلب السياسة المالية الحديثة، تسعى لتحقيق العدالة والإنصاف، وضمان تنافسية الاقتصاد الوطني. ويبقى التحدي الأكبر في التوفيق بين الحزم في الرقابة، والحفاظ على مناخ ثقة وتعاون بين الفاعلين الاقتصاديين ومصالح الضرائب



