بقلم الأستاذ اسليماني مولاي عبد الله خيير اقتصادي
Almouaten 24 -المواطن 24
في السنوات الأخيرة، أصبحت وظيفة الموارد البشرية محور نقاش واسع داخل الأوساط الإدارية والأكاديمية، ليس فقط بسبب التحولات الرقمية والاقتصادية، بل أيضًا نتيجة لتغير توقعات الموظفين والمديرين.
إذ تكشف الدراسات الميدانية الحديثة، مثل تقرير عالمي صادر عن Deloitte Human Capital Trends 2025، أن نحو 60% من الموظفين يعتبرون أن أقسام الموارد البشرية في شركاتهم بعيدة عن الواقع الميداني، وتفتقر إلى الإصغاء والتعاطف
. هذا الانطباع يعكس تحديًا حقيقيًا يهدد دور الموارد البشرية التقليدي، الذي كان يُنظر إليه باعتباره قلب العمليات الإدارية والإنسانية للمؤسسة.
التطورات التكنولوجية والتحول الرقمي في مجالات التوظيف، التدريب، وإدارة الأداء جعلت العديد من العمليات التي كانت حكرًا على الموارد البشرية تتم بشكل آلي عبر منصات رقمية متخصصة.
على سبيل المثال، أصبحت عمليات النشر، فرز السير الذاتية، توقيع العقود، وإدارة البيانات الوظيفية تتم إلكترونيًا دون تدخل بشري يُذكر، ما جعل بعض المديرين يشعرون بأنهم يقومون بأغلب المهام بأنفسهم، فيما يقتصر دور الموارد البشرية على الجانب البيروقراطي. من منظور اقتصادي، يمكن تحليل هذا التحول من خلال نظرية تقسيم العمل لآدم سميث، التي تؤكد أن
التخصص يؤدي إلى زيادة الكفاءة، غير أن التخصص المفرط في الجانب الإداري على حساب التفاعل البشري قد يقلص القيمة المضافة للموارد البشرية في تحقيق أهداف المؤسسة.
أما من الناحية الاجتماعية، فتعكس هذه الظاهرة ما طرحته مدرسة العلاقات الإنسانية التي أسسها إلتون مايو، حيث يعتبر التواصل الإنساني والتحفيز النفسي عنصرين جوهريين في رفع الإنتاجية وتعزيز الولاء الوظيفي. قانونيًا، تلزم تشريعات العمل الحديثة، بما في ذلك المستجدات المعتمدة في المغرب سنة 2025، أقسام الموارد البشرية بالانخراط في سياسات المساواة في الفرص، الصحة النفسية في بيئة العمل، وضمان بيئة خالية من التمييز والتحرش
كما أن هذه الأقسام تتحمل مسؤولية إدارة أنظمة التغطية الاجتماعية بكافة مكوناتها، بما فيها التأمين الإجباري عن المرض (AMO)، التعويضات العائلية، والتقاعد، وضمان احترام آجال
التصريحات وأداء المساهمات للمؤسسات المختصة مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS). إضافة إلى ذلك، تبقى العلاقة مع النقابات عنصرًا محوريًا في عمل الموارد البشرية، إذ تمثل هذه الأخيرة الجسر بين الإدارة وممثلي العمال في إطار المفاوضة الجماعية، حل النزاعات، وإبرام الاتفاقيات الاجتماعية.
وتؤكد الإحصائيات الوطنية لسنة 2025 أن المؤسسات التي تتمتع بعلاقات مستقرة وشفافة مع نقاباتها تسجل معدل نزاعات أقل بـ 35% وتحقق استقرارًا وظيفيًا أعلى بنسبة 20%. الإحصائيات الدولية تدعم هذا التحليل، إذ تشير بيانات Gallup 2025 إلى أن الشركات التي تتميز بإدارات
موارد بشرية مندمجة مع فرق العمل تسجل معدلات احتفاظ بالموظفين تزيد بـ 23% وإنتاجية أعلى بـ 18% مقارنة بتلك التي تتسم بالجمود الإداري.
وعليه، فإن مستقبل الموارد البشرية لن يتحدد بمجرد قدرتها على إدارة الملفات أو الرواتب، بل بمدى نجاحها في لعب دور المحفز والمستمع والقائد للتغيير، وضمان الحقوق الاجتماعية والتأمينية للعاملين، مع بناء شراكات متوازنة مع النقابات.
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية لسنة 2025، تصبح الموارد البشرية أمام فرصة لإعادة تعريف ذاتها، عبر الجمع بين الكفاءة الإدارية والتواصل الإنساني العميق، بما يضمن استدامة المؤسسات ورضا العاملين في آن واحد.



