[information]المواطن 24 – دولية[/information]
كشف أرشيف الجيش الإسرائيلي لأول مرة عن سقوط 14 قتيلا وعشرات الجرحى في القصف الصاروخي العراقي خلال حرب الخليج الثانية، التي أعقبت غزو الكويت عام 1991، ونشر معلومات ومقاطع فيديو لآثار خلفها القصف.
ويأتي السماح بالنشر عن جزء من الأرشيف -الذي تضمن مقاطع فيديو لآثار الدمار الذي خلفه القصف في منطقة تل أبيب- بمناسبة مرور 30 عاما على تلك الحرب، وشمل الفيديو أيضا مقاطع لحياة الإسرائيليين في غرف الإغلاق المحكمة، وسماع صافرات الإنذار في أنحاء البلاد، والشفرة “أفعى” التي تسمع عبر التلفزيون والراديو الإسرائيلي التي تطالب المواطنين بالبقاء في الغرف محكمة الإغلاق.
وتوثق مقاطع الفيديو حالة الهلع والخوف وتصرفات السكان عند سماع صافرات الإنذار وشفرة “الأفعى”، وأيضا توثق مشاهد وإفادات حية لبعض السكان ممن سقطت بالقرب من مكان سكنهم الصواريخ، في وصف لأصوات الانفجارات والنيران التي تسببت فيها وآثار الدمار، وأمام هذه المشاهد تعالت التساؤلات لدى السكان: لماذا لا ترد إسرائيل على صواريخ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين؟
ويكشف أرشيف الجيش الإسرائيلي في وزارة الدفاع عن صور ومقاطع فيديو ووثائق سرية من تلك الفترة، التي تم خلالها إطلاق عشرات الصواريخ من نوع سكود من العراق على إسرائيل، فيما بدا أن الكثير من الوثائق والفيديوهات والمعلومات ما زالت طي الكتمان في الأرشيف العسكري.
إستراتيجية وقرارات
إحدى الوثائق التي تم نشرها هي جزء من دراسة أعدها عام 2002 المقدم شمعون جولان حول “اتخاذ القرارات على المستوى الإستراتيجي في حرب الخليج”.
ويتضح من خريطة مناطق سقوط الصواريخ التي تظهر في الدراسة أنه يمكن لأي شخص أن يرى بوضوح المحاولة العراقية لضرب منطقة ديمونة وتركيز سقوط الصواريخ في وسط البلاد ومنطقة تل أبيب وخليج حيفا، وخلص معد الدراسة للقول “اليوم، بعد 30 عاما، مع دقة صاروخية عالية، لا يسع المرء إلا أن يخمن كيف ستبدو خريطة مناطق سقوط الصواريخ في حرب مستقبلية”.
حالة الخوف والقلق لم تقتصر على السكان، بل شملت أيضا القيادة العسكرية التي عاشت حالة من الإرباك، خاصة في الأيام الأولى للحرب وسقوط الصواريخ، حسب ما كشفت عنه مذكرات غرفة العلميات للقيادة المركزية حول مستوى التوتر واليقظة في الأيام الأولى للهجمات على إسرائيل.
واستعرض الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أبرز تفاصيل الحرب بالجبهة الداخلية الإسرائيلية التي كانت تحت القصف العراقي من ليلة 18 يناير/كانون الثاني إلى 25 شباط/ فبراير 1991، حيث انطلق إنذار مقلق في جميع أنحاء إسرائيل، بعد رصد إطلاق صاروخ من العراق.
وسرعان ما تحول هذا الإنذار المفاجئ إلى جزء من سيرة وحياة المواطنين بإسرائيل، الذين كانوا على موعد يومي وعلى مدار الساعة مع صافرات الإنذار التي دوّت، إذ تكرر المشهد الإنذاري وكان القلق الأكبر سواء لدى قيادة الجيش أو القيادة السياسية في تل أبيب هو أن نظام صدام حسين سيطلق صواريخ تحمل رؤوسا كيميائية.
ونتيجة الهواجس التي تم الترويج لها، تم توزيع الأقنعة الواقية من الغاز الكيماوي وغاز الأعصاب على جميع المواطنين في إسرائيل، بحيث تحولت منازل المواطنين إلى غرف محكمة الإغلاق، حيث تم استدعاء السكان للدخول إلى الغرفة المغلقة التي أعدوها مسبقا وعدم النزول إلى الملاجئ خشية الغازات الكيماوية التي قد تحملها الصواريخ العراقية.
هجمات ومخاوف
وما عزز المخاوف لدى المواطنين، وفقا للصحيفة الإسرائيلية، أن جميع الهجمات الصاروخية العراقية التي استهدفت المدن الإسرائيلية كانت في الليل، وفي ساعات الظلام، باستثناء رشقة صاروخية كانت صباح السبت.
وفي ليلة 18 يناير/كانون الثاني 1991، كانت إسرائيل على موعد مع أول وابل من الصواريخ العراقية التي سقطت بمدن إسرائيلية، وطالت العديد من الأهداف، حيث انفجرت 8 صواريخ من العراق؛ 5 في منطقة تل أبيب، و3 في حيفا. وفي صباح اليوم التالي، أطلقت 4 صواريخ أخرى باتجاه منطقة تل أبيب.
وكشف الأرشيف العسكري النقاب عن أن الجبهة الداخلية بقيت عرضة للقصف والرشقات الصاروخية من دون أي رد أو اعتراض من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وفقط بعد إطلاق ثالث رشقة صاروخية من العراق، حيث أطلق صاروخ واحد على تل أبيب، عندها أُطلق صاروخان باتريوت لأول مرة لاعتراضه. وبعد ذلك بيوم أطلق صاروخ وحيد على حيفا وأطلق نحوه 4 صواريخ باتريوت.
ورغم أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية-الأميركية بدأت تعترض الرشقات الصاروخية، بيد أن القصف العراقي بات أعنف، حسب الموقع الإخباري “والا”؛ إذ أطلقت في يوم 25 يناير/كانون الثاني من ذلك العام 9 صواريخ؛ 7 على منطقة تل أبيب، و2 على حيفا.
وحسب المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية، فقد تم إطلاق 27 صاروخ باتريوت على تلك الصواريخ، من دون الإفصاح عما إذا تم اعتراض صواريخ صدام بنجاح.
كواليس واعتراف
وخلال حرب الخليج الثانية، أظهرت كواليس الأرشيف العسكري الإسرائيلي أنه في الفترة من 28 يناير/كانون الثاني إلى الثالث من فبراير/شباط 1991، تم تفجير 4 صواريخ عراقية أخرى في منطقة الضفة الغربية، على ما يبدو بسبب خطأ من منصات الإطلاق العراقية.
ولاحقا، في 16 فبراير/شباط، كان هناك وابل من 3 صواريخ على ديمونة، وواحد على منطقة حيفا. وكان آخر إطلاق للصواريخ في 25 فبراير/شباط، الذي استهدف منطقة ديمونة، لكن من دون الكشف أو التطرق إلى إن كانت الصواريخ العراقية موجهة إلى المفاعل النووي في ديمونة أو استهدفته.
وفي الإجمال، اعترفت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأنه تم إطلاق 43 صاروخ سكود باتجاه إسرائيل من العراق؛ 26 منها إلى منطقة تل أبيب، و8 إلى منطقة حيفا، و5 إلى منطقة ديمونة، و4 إلى منطقة الضفة الغربية. ومن جهة أخرى، أطلق جنود أميركيون على ما يبدو تواجدوا بقواعد عسكرية إسرائيلية 54 صاروخ باتريوت لاعتراض صواريخ سكود العراقية.
ضحايا وخسائر
وعن الضحايا البشرية التي تسبب فيها القصف العراقي، يقر الأرشيف العسكري الإسرائيلي بوقوع ضحايا وخسائر بشرية وأضرار في الممتلكات والمنشآت، لكن يزعم بأن الخسائر كانت قليلة، وأن الضحايا والإصابات البشرية كانت بسبب حالة الخوف والهلع التي عاشها السكان خلال أيام الحرب.
وفي جرد إحصائي للإصابات البشرية، زعم الأرشيف العسكري بأنه “لقد تضرر ما مجموعه 229 إسرائيليا من جراء الضربات الصاروخية المباشرة؛ 85 منهم في 22 فبراير/شباط، و67 شخصا في 25 يناير/كانون الثاني. بالإضافة إلى ذلك، تم علاج 540 إسرائيليا جراء القلق والهلع، و222 شخصا حقنوا أنفسهم بحقن الأتروبين المضادة لغاز الأعصاب من دون داع لذلك.
وذكر تقرير من وزارة الدفاع أن هناك 14 قتيلا في إسرائيل جراء حرب الخليج الثانية، لكن حسب موقع النصب التذكاري لضحايا ما تسمى “الأعمال العدائية” فإن الرقم أعلى من ذلك بكثير، لكن من دون أي يتم الإفصاح عنه.
بالإضافة إلى ذلك، تم السماح أيضا بنشر العديد من اليوميات الخاصة بعمليات القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي، بحيث كانت التعليمات هي التعامل مع كل صاروخ على أنه صاروخ كيميائي حتى تلقي رسالة وتعليمات مختلفة.
لذلك ارتدت فرق الإنقاذ التابعة للجبهة الداخلية ملابس واقية عندما ذهبوا إلى الأماكن التي سقطت فيها الصواريخ. وكتب بعد إحدى الضربات الصاروخية “حي هاتكفا” جنوب تل أبيب، طريق “بن تسفي” في يافا، “شيبوليم” في تل أبيب، “جفعتايم” شارع ماري ورامبام، إشارة إلى المنطقة التي سقطت فيها الصواريخ في مركز البلاد.
كما كتبت كلمات وعبارات للتهدئة من روع السكان، وكان أبرزها “الصواريخ لا تشتمل على مواد كيماوية”، كما أن يوميات الجبهة الداخلية اعتادت كتابة “هناك تدمير” في مواقع سقوط الصواريخ”، وأيضا “وحدة إنقاذ خلفية مدرجة في أماكن الهجوم”.
جهوزية وتعليمات
وتفيد وثيقة أخرى بأضرار إطلاق الصاروخ الوحيد الذي وقع في ساعات الصباح في منطقة تل أبيب بأنه “أصاب صاروخ شارع اللنبي رقم 138 في تل أبيب، لم ينفجر الصاروخ. وأيضا سقوط صاروخ في منطقة ديكيل كونتري وبارك اليركون، من دون تسجيل أي إصابات بشرية”.
كما جاء في الوثيقة “سقطت أيضا أجزاء من صاروخ في أماكن بمدينة رمات غان، في حين أصاب صاروخ محطة وقود في المخرج الشمالي لمدينة ريشون لتسيون، حيث أصيب اثنان بجروح طفيفة وانطفأ حريق صغير تم إخماده، وأصابت أجزاء من صاروخ مدينتي نيس تسيونا وطيرة شالوم جنوبي البلاد”.
وجاء في المذكرات أنه في 18 يناير/كانون الثاني، صدرت تعليمات لوحدات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي التي تم حشدها لرفع مستوى التأهب والجاهزية، والتي ستشمل فتح المخازن والمستودعات، واستكمال تحضير ذخيرة الدخان والفوسفور من خلال مركبات قتالية مصفحة، وتدريب تلك المركبات على الحركة، ابتداء من الساعة 16:00 بعد الظهر.